تحديات “الطاقة” في العهد الجديد… “القوات” تحت مجهر تنفيذ الوعود
في ظلّ استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بلبنان، تواجه الحكومة الجديدة تحديات جسيمة تَطال قطاعات حيوية، أبرزها وزارة الطاقة التي أصبحت رمزاً للإدارة السيئة والفساد المالي، خصوصاً خلال العهد العوني. فقد كلّف هذا القطاع الخاسر خزينة الدولة مبالغ طائلة تجاوزت 40 مليار دولار على مدى عقدين، وفق تقارير ديوان المحاسبة، من دون أن يُحقّق أي تحسن في خدمة الكهرباء التي لا تتجاوز ساعات توزيعها اليومي 4–6 ساعات في أفضل الأحوال. اليوم، ومع انتزاع الوزارة من براثن العونية لأول مرة منذ سنوات، تُطرح أسئلة مصيرية عن قدرة الادارة الجديدة على كسر حلقة الفشل، ولا سيما مع الضغوط الدولية والمحلية لإطلاق إصلاحات جذرية، أبرزها إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، التي طال انتظارها منذ إقرار القانون 462 في العام 2014.
لطالما شنّ حزب “القوات اللبنانية” حملات ضد الفريق المهيمن على وزارة الطاقة لسنوات، تتهمه بالفشل والفساد، وتوعد في العديد من المناسبات بإصلاح القطاع في حال تسلمه يوماً الوزارة، وقد نال ما أراده أخيراً، فهل سيتحقق الوعد القواتي؟
إرث ثقيل
فواتير الفساد وسوء الادارة تُلخّص أزمة الكهرباء في لبنان وإخفاقات الدولة على مدى عقود. فمؤسسة “كهرباء لبنان” (EDL)، التي تُعدّ أكبر مُستهلك للموازنة العامة، تُسجّل خسائر سنوية تُقدّر بنحو 1.5 مليار دولار، بينما يعتمد 90% من اللبنانيين على المولّدات الخاصة التي تُكبّد الأسر والأعمال كلفة إضافية تصل إلى 2 مليار دولار سنوياً. وقد تفاقم هذا الوضع خلال العهد العوني، بحيث فشلت الحكومة في تنفيذ أي من الخطط المُعلنة، مثل خطة الـ24 ساعة كهرباء عام 2019، التي تحوّلت إلى وعد أجوف وسط شبهات بتبديد أموال الدعم الموجهة الى محطات الـ”أمبير”.
كما أدّى دعم الدولة لاستيراد المازوت إلى استنزاف احتياطيات المصرف المركزي، التي انخفضت من 30 مليار دولار عام 2019 إلى أقل من 9 مليارات حالياً، وفق صندوق النقد الدولي. ولم يُساهم هذا الدعم إلا في تغذية شبكات الفساد، بدلاً من ضمان كهرباء مستدامة.
الهيئة الناظمة
الحلّ المغمور الذي لا مفرّ منه منذ إقرار القانون 462، الذي ينص على إنشاء هيئة ناظمة مستقلة لقطاع الكهرباء، التي بقيت حبراً على ورق في زمن الامبراطورية الباسيلية، وأصبح تأسيسها اليوم شرطاً أساسياً للحصول على الدعم الدولي، مثل القرض البالغ 1.2 مليار دولار من البنك الدولي لتمكين القطاع من الاصلاح.
ستكون هذه الهيئة بمثابة “الضامن الموضوعي” لشفافية القطاع، عبر تحديد تعرفة كهرباء عادلة، ومراقبة أداء “EDL”، وجذب الاستثمارات الخاصة عبر عقود شراء الطاقة(Power Purchase Agreements) . كما ستُنهي الهيئة احتكار الدولة للقطاع، الذي أثبت فشله، وتُقلّص هيمنة “مافيا المولّدات” التي يديرها مقربون من أحزاب سياسية.
تحديات الوزير الجديد
بين الاصلاح والمُحاصصة يواجه الوزير جو صدي تحديات غير مسبوقة، أولها إقناع الطبقة السياسية بتبنّي إصلاحات تُهدّد مصالحها، مثل إقرار زيادة تدريجية على تعرفة الكهرباء لتغطية الكلفة الحقيقية، مع ضمان حماية الفئات الهشّة. كما عليه معالجة أزمة الوقود عبر التحوّل إلى الطاقة المتجددة، خصوصاً أن لبنان يتمتع بإمكانات رياح شمسية تُقدّر بـ 6,000 ميغاواط، وفق دراسات البنك الدولي، بينما لا تنتج “EDL” سوى 1,500 ميغاواط حالياً.
لكنّ التحدي الأكبر يتمثل في كسر الحلقة المفرغة بين الاصلاح والتمويل: فالدول المانحة ترفض ضخ أموال من دون ضمانات إصلاحية، بينما يصعب تنفيذ الاصلاحات من دون تمويل أولي لتحسين البنية التحتية.
خريطة طريق
خطوات لا بدّ منها لكي لا يكرّر الوزير صدي سيناريو الفشل، اذ عليه التركيز على:
– تفعيل الهيئة الناظمة فوراً، باختيار كفاءات مستقلة بعيداً عن المحاصصة.
– إعادة هيكلة “EDL” عبر خصخصة إدارتها وتحديث الشبكات.
– جذب استثمارات في الطاقة المتجددة عبر شراكات مع القطاع الخاص.
– إقرار تعرفة كهرباء واقعية، مع دعم مباشر للأسر محدودة الدخل.
– محاسبة المتورطين بفساد سابق، لاستعادة ثقة المواطن والدول المانحة.
إنّ معركة إصلاح قطاع الطاقة في لبنان ليست تقنية فحسب، بل هي اختبار لإرادة الطبقة السياسية في التخلي عن اقتصاد الريع. فالهيئة الناظمة ليست مجرد هيئة، بل بوابة لبنان نحو كهرباء مستدامة، وشرط لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار.
ومن هذا المنطلق من الضروري أن يحظى الوزير صدي بدعم شعبي ضاغط، وترفع مرجعيته السياسية عن النهج القديم الذي يعتبر نفسه الحاكم بأمر الطاقة، ويخاف من تفويض أي من صلاحياته إلى مجلس إدارة.
ويأمل اللبنانيون في المرحلة الجديدة التي يعيشها البلد، بأن لا تسمح بخلق بؤر في الوزارات حيث تتحول القطاعات إلى امبراطورية لفريق سياسي يستخدمها في حملاته الانتخابية، وقد يخلق خطة واضحة تُحوّل الكهرباء من أداة فساد إلى حقّ أساسي للمواطن.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|